ولما كان في محرم سنة إحدى وأربعين خمسمائة، توجه عبد المؤمن إلى حضرة مراكش، مقر خلافة المرابطين، ووصلت جيوشه إليها، ونزل بجبل بقربها يعرف بجبل جليز، وهو جبل صغير بنى عليه مدينة، استند إليها وبنى فيها مسجدا وصومعة طويلة يشرف منها على مراكش، ولما أكمل المدينة بالبناء، ونزلت كل قبيلة في الموضع الذي حد لها، زحفوا بجمعهم لمراكش، وقد كان كمن لهم الكمائن وأقام هو بالمنظرة يبصر أحوالهم، فانهزم لهم الموحدون يجرونهم إلى الكمائن، ولما وصلوا إلى مقربة سور المدينة التي بناها عبد المؤمن بالجبل المذكور، وعلم عبد المؤمن بأن أكثر أهل مراكش من الفرسان والرجالة خرجوا، أمر بضرب الطبول، وخرجت الكمائن، فمات في ذلك اليوم من أهل مراكش ما لا يحصى، واتبع السيف سائرهم إلى الأبواب، فقتل بعضهم بعضا بالازدحام، وطال الحصار عليهم، واشتد الجهد بهم، ولكثرة خيلهم ورجلهم نفذ طعامهم، وفنيت مخازنهم ختى أكلوا دوابهم، ومات منهم بالجوع ما ينيف على مائة وعشرين ألفا، ولما طال عليهم الحصار، واشتدت أحوالهم، هلكوا جوعا حتى أكلوا الجيف، وأكل أهل السجن بعضهم بعضا، وعدمت الحيوانات كلها، والحنطة بأسرها، واختبرت المخازن فلم يوجد بها شيء وعجزت عساكر اللمتونيين حينئذ عن الدفاع والامتناع، بضعف العدد والعدة، وكثرة الضيقة والشدة، ففتحت مراكش حينئذ....
الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ص137-138